الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن وفادة صاحب بجاية على أبي عنان واستيلائه عليه وعلى بلده ومطلبه قسنطينة: كان بين الأمير أبي عبد الله صاحب بجاية وبين الأمير أبي عنان أيام إمارته بتلمسان ونزول الأعياص الحفصيين بندرومة ووجدة أيام أبيه كما ذكرناه اتصال ومخالصة أحكمها بينهما نسب للشباب والملك وسابقة الصهر فكان الأمير أبو عبد الله من أجل ذلك صاغية إلى بني مرين أوجد بها السبيل على ملكه ولما مر السلطان أبو الحسن في أسطوله عند ارتحاله من تونس كما قدمناه أمر أهل سواحله بمنعه الماء والأقوات من سائر جهاتها رعيا للذمة التي اعتقدها مع الأمير أبي عنان في شأنه وجنوحا إلى تشييع سلطانه ولما أوقع السلطان أبو عنان ببني عبد الواد سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة واستولى على المغرب الأوسط ونجا فلهم إلى بجاية أوعز إلى الأمير أبي عبد الله باعتراضهم في جهاته والتقبض عليهم فأجابه إلى ذلك وبعث العيون بالمراصد فعثروا في ضواحي بجاية على محمد ابن سلطانهم أبي سعيد عثمان بن عبد الرحمن وعلى أخيه أبي ثابت الزعيم بن عبد الرحمن وعلى وزيرهم يحيى بن داود بن سليمان فأوثقوهم اعتقالا وبعث بهم إلى السلطان أبي عنان ثم جاء على أثرهم فتلقاه بالقبول والتكرمة وأنزله بأحسن نزل ثم دس إليه من أغراه بالنزول له عن بجاية رغبة فيما عند السلطان إزاء ذلك من التجلة والادالة عنها بمكناسة المغرب الراحة من زبون الجند والبطانة وأخفافا مما سواه إن لم يعتمده فأجاب إليه على اليأس والكره وشهد مجلس السلطان والملا من بني مرين بالرغبة في ذلك فأسعف وانيفت جائزته واقتطعت له مكناسة من أعمال المغرب ثم انتزعها لأيام قلائل ونقله في جملته إلى المغرب وبعث الأمير أبو عنان مولاه فارحا المستبد عليه ليأتيه بأهله وولده وعقد أبو عنان على بجاية لعمر بن علي ابن الوزير من بني واطاس وهم ينتسبون بزعمهم إلى علي بن يوسف أمير لمتونة فاختصه أبو عنان بولايتها لمتانة هذا النسب الصنهاجي بينه وبين أهل وطنها منهم وانصرفوا جميعا من المرية ولما احتلوا بجاية تآمر أولياء الدعوة الحفصية ومن صنهاجة والموالي وهجست رجالاتهم في قتل عمر بن علي الوزير وأشياع بني مرين وتصدى لذلك زعيم صنهاجة منصور بن إبراهيم بن الحاج في رجالات من قومه باملاء فارح كما زعموا.وغدوا عليه في داره من القصبة فأكب عليه منصور يناجيه فطعنه وطعن آخر منهم القاضي ابن مركان بما كان شيعة لبني مرين ثم أجهزوا على عمر بن علي ومضى القاضي إلى داره فمات واتصلت الهيعة بفارح فركب إليه وهتف الهاتف بدعوة صاحب قسنطينة المولى أبي زيد وطيروا إليه بالخبر واستحثوه للقدوم وأقاموا على ذلك أياما ثم تآمر الملأ من أهل بجاية في التمسك بدعوة صاحب المغرب خوفا من بوادره فثاروا بفارح وقتلوه أيام التشريق من سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وبعثوا برأسه إلى السلطان بتلمسان وتولى كبر ذلك هلال صاحبه من موالي ابن سيد الناس ومحمد بن الحاجب أبي عبد الله بن سيد الناس ومشيخة البلد واستقدموا العامل حواس من بني مرين وهو يحيى بن عمر بن عبد المؤمن من بني ونكاس فبادر إليهم وسرح السلطان أبو عنان إليها حاجبه أبا عبد الله محمد بن أبي عمر في الكتائب فدخلها فاتح أربع وخمسين وسبعمائة وذهبت صنهاجة في كل وجه ولحق كبارهم وذوو الفعلة منه بتونس وتقبض على هلال مولى ابن سيد الناس لما داخلته فيه من الظنة وعلى القاضي محمد بن عمر لما كان شيعة لفارح وعلى زعماء الغوغاء من أهل المدينة وأشخصهم معتقلين إلى المغرب وصرف نظره إلى تمهيد الوطن واستدعى كبراء العرب وأهل النواحي من أعمال بجاية وقسنطينة.ووفد عليه يوسف بن مزني صاحب الزاب ومشيخة الزواودة فاسترهن أبناءهم على الطاعة وقفل بهم إلى المغرب واستعمل أبو عنان على بجاية موسى بن إبراهيم اليرنياني من طبقة الوزراء وبعثه إليها ولما وفدوا على السلطان جلس جلوسا فخما ووصلوا إليه ولقاهم تكرمة ومبرمة وأوسعهم حباء واقطاعا وأنفذ لهم الصكوك والسجلات وأخذ على طاعتهم العهود والمواثيق والرهن وانقلبوا إلى أهلهم وعقد لحاجبه ابن أبي عمر وعلى بجاية وأعمالها وعلى حرب قسنطينة من ورائها ورجعه إليها فدخلها في رجب من سنته.وأوعز السلطان إلى موسى بن إبراهيم بالولاية على سدويكش والنزول ببني ياورار في كتيبة جهزها هنالك لمضايقة قسنطينة وجباية وطنها وكل ذلك لنظر الحاجب ببجاية وكان بقسنطينة أبو عمر تاشفين ابن السلطان أبي الحسن معتقلا من لدن واقعة بني مرين بها وكان موسوسا في عقله معروفا بالجنون عند قومه وكان الأمراء بقسنطينة قد أسنوا جرايته في اعتقاله وأولوه من المبرة والكفاية كفاء نسبه فلما زحف كتائب بني مرين إلى بني ياورار آخر عمل بجاية ودانوا قسنطينة ومن بها من الحروب والحصار نصب المولى أبو زيد هذا الموسوس أبا عمر ليجأجيء به رجالات بني مرين أهل العسكر ببجاية وبني ياورار وجهز له الآلة وتسامعوا بذلك ففزع إليهم الكثير منهم وخرج نبيل حاجب الأمير أبي زيد إلى أهل صنهاجة من بونة ومن كان على دعوته من سدويكش والزواودة فجمعهم وزحفوا جميعا الى وطن بجاية واتصل الخبر بالحاجب ببجاية فبعث في الزواودة من مشاتيهم بالصحراء فأقبلوا إليه حتى نزلوا التلول ووفد عليه أبو دينار بن علي بن أحمد واستحثه للحركة على قسنطينة فاعترض عساكره وأزاح عللهم وخرج من بجاية في ربيع من سنة خمسين وسبعمائة فكر أبو عمر ومن معه راجعين إلى قسنطينة وزحف الحاجب فيمن معه من بني مرين والزواودة وسدريكش ولقيهم نبيل الحاجب بمن معه فكانت عليه الدبرة واكتسحت أموال بونة ورجع ابن أبي عمر بعساكره إلى قسنطينة فأناخ عليها سبعا ثم ارتحل عنها إلى ميلة وعقد يعقوب بن علي بين الفريقين صلحا على أن يمكنوه من أبي عمر الموسوس فبعثوا به إلى أخيه السلطان أبي عنان فأنزله ببعض الحجر ورتب عليه الحرس وسار الحاجب في نواحي أعماله وانتهى إلى المسيلة واقتضى مغارمها ثم انكفأ راجعا إلى بجاية وهلك فاتح سنة ست وخمسين وسبعمائة وعقد السلطان على بجاية وأعمالها بعده لوزيره عبد الله بن علي بن سعيد من بني بابان وسرحه إليها فدخلها وزحف إلى قسنطينة فحاصرها وامتنعت عليه فرجع إلى بجاية ثم زحف من العام المقبل سنة سبع وخمسين وسبعمائة كذلك ونصب عليها المجانيق فامتنعت عليه وأرجف في عسكره بموت السلطان فانفضوا وأحرق مجانيقه ورجع الى بجاية جمر الكتائب ببني ياورار لنظر موسى بن إبراهيم اليرنياني عامل سدويكش إلى أن كان من الإيقاع به وبعسكره ما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم.
|